
في عالم يموج بالأهواء، وتختلط فيه المقاصد، تظل بعض الشخصيات منارات تهدي إلى سواء السبيل، شاهدة على أن الفضيلة لا تزال ممكنة، وأن العطاء الصادق لا تمحوه رياح الفتنة. ومن هؤلاء الأعلام الذين تسطع سيرتهم في سماء المروءة والسخاء، العلامة: محمد محمود ولّ المصطفى ول ديدي ول بباه ول اًعمر الحريزي، الذي اجتمع فيه العلم الغزير والورع الصادق، مع عطاء لا ينقطع وإحسان لا تحدّه حدود.
لقد حاولت بعض الأقلام المأجورة أن تنال من مقامه، غير أن الحقيقة لا تُحجب بغربال، ومن عرف بالبرّ والإحسان، وأجمعت الألسنة على فضله، لا يضيره نعيق الحاسدين ولا يطاله غبار المغرضين. وكيف يُنال من رجلٍ ما عرفه الناس إلا سخياً كريماً، عامراً قلبه بالورع والخشية، متبحّراً في العلوم الشرعية، يضع ماله وعلمه وجهده في خدمة الدين والمجتمع؟
وإنّ من يتأمل في مسيرة العلامة: محمد محمود ولّ المصطفى ول ديدي ول بباه ول اًعمر الحريزي يرى بوضوح أن أخلاقه كانت رحبة كرحابة الصحراء، يفتح صدره لكل محتاج، ويبسط يده لكل فقير، ويقف موقف النصير لكل مظلوم.
ما يراه الناس علناً من حفر للآبار في القرى العطشى، ومداواة للمرضى في أزمنة الحاجة، وكفالة للأيتام الذين فقدوا السند، ومواساة للفقراء الذين عضّهم الجوع والفاقة، ليس إلا غيضاً من فيض. أما البحر الزاخر فهو ما اعتاد أن يقدّمه في الخفاء، ابتغاء وجه الله تعالى واحتساباً للأجر، لا يطلب عليه شكراً من أحد. وكيف لا، وهو الذي جعل من العطاء سبيلاً للزلفى، ومن فعل الخير نهجاً لا يعرف الكلل؟
وقد قيل قديماً في فضل الكرم:
وما المال إلا مثل ظل زائل *** وإن كنت ذا فضل فكن أنت أفضل
فإنك إن تبذله في الخير باقياً *** يخلّدك ذكر في البرية أطول
وما أكثر الذين يذكرونه في دعائهم آناء الليل وأطراف النهار: مريض وجد الدواء حين ضاقت به السبل، ويتيم وجد الكفالة بعد أن فقد المعيل، وأرملة مسكينة مسح عنها دموع العوز بكرم عطائه. هؤلاء جميعاً يشهدون له بما لا تدركه الأقلام، فهم المرايا الصافية التي تعكس حقيقة معدنه.
لقد جُبل الرجل على التواضع، لا يحب الظهور ولا يسعى وراء الأضواء، ولطالما آثر العمل بصمت على أن يُذكر في المنابر أو يُرفع على الأكتاف. وإذا كان بعض الناس يفرحون بالصيت والجاه، فإنه يجد راحته في خدمة الآخرين، وطمأنينته في أن يكون مجهولاً بين الناس، معروفاً عند الله. ولذا فإن محاولات النيل منه لا تزيده إلا رفعة، كما قال الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة *** طُويت أتاح لها لسان حسود
فحسد الحاسدين وأقلام المأجورين ليست إلا شهادة إضافية على علوّ مقامه وسموّ سيرته.
أما حلمه وصبره، فحديث آخر، فقد عُرف عنه أنه يتجاوز عن الزلل، ويغض الطرف عن الإساءة، إذ يرى في العفو قوة لا يملكها إلا الكبار. وقديماً قيل:
أحب مكارم الأخلاق جهدي *** وأكره أن أعيب وأن أُعاب
وأصفح عن سباب الناس حلماً *** وشر الناس من يهوى السباب
وهكذا، فإن شخصية العلامة: محمد محمود ولّ المصطفى ول ديدي ول بباه ول اًعمر الحريزي مثال نادر لرجل جمع بين العلم الواسع، والخلق الرفيع، والكرم والسخاء، والورع الصادق. شخصية عصية على التشويه، باقية في ذاكرة الناس بما زرعته من أثر، وبما أنشأته من مشاريع بر، وبما سطّرته من مواقف خالدة.
إنه رجل إذا ذُكر الكرم كان اسمه في الطليعة، وإذا ذُكرت المروءة كان له أوفى نصيب، وإذا ذُكر الحلم كان له أصدق شاهد. ومن سار على هذا الدرب فلن تضره الأقلام المأجورة، ولن يحجبه غبار المغرضين، إذ تكفيه دعوات المساكين وشهادات الفضلاء، وتكفيه مكانته عند الله التي لا يطالها مدح ولا يضرّها قدح.
المؤلف الكاتب والشاعر:التراد سيد احمد