مباركة منت البراء (باته) خيار العودة "مقال" الكاتب /محمد ابحيدا الشريف

اثنين, 01/25/2016 - 11:41

فى بداية العام 2000 الميلادى غادرت الأديبة الشاعرة استاذ الأدب العربي الحديث الدكتورة مباركة بنت البراء موريتانيا لتلتحق بهيئة التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض كاستاذ محاضر بعد عام من عملها فى المدرسة العليا للأساتذه كلية الآداب بجامعة نواكشوط والمعهد العالى للدراسات الإسلامية الأديبة بالفطرة والشاعرة المطبوعة لم تكن بحاجة الى كثير عناء ووقت لتلفت الأنظار من بين أعضاء هيئة التدريس فى الجامعتين المرموقتين جامعة الملك سعود وجامعة الإمام فى العاصمة السعودية الرياض حيث قضت عامها الأخير، بذكائها الفطرى ولغتها المتفرده وشاعريتها الطاغية وتمكنها المنهجى من ناصية التخصص الذى تدرسه وبمهاراتها التربويه التى استطاعت بها كسب إعجاب ومودة طالباتها فى مرحلة البكالوريوس وفى التعليم العالى لاحقا حيث كانت الطالبة التى تحظى بإشراف الدكتورة باته على رسالتها تعتبر محظوظة ، كانت الدكتورة باته تمتلك أسلوبا تربويا سلسا يجمع مابين جدية البحث والاجتهاد فيه مع وشيجة مودة تضمن عدم نفور الباحث وشعوره بتعقيد المشرف له ، هكذا تحدث عنها بعض من درستهم والذين برزوا بعد انخراطهم فى الحياة العملية الأكاديمية وسرعان ماتكشفت شاعرية بنت البراء لتصبح ضيفا دائما وأيقونة لافتة فى كل الملتقيات والمهرجانات الشعرية فى المملكة والمرشح الدائم لرئاسة البرامج الثقافية فى كلية الآداب حيث استطاعت انعاش هذه البرامج وجلب جمهور الطلبة اليها رغم انشغالاتها التعليمية والبحثية 

وقدمت أولويتها الملحة دائما ــ بلاد شنقيط ــ فى أمسياتها الشعرية فى الأندية والمراكز الثقافية فى ربوع المملكة الشاسعة حيث كانت توجه لها الدعوات من خلال قصائدها التى كانت تغنيها للوطن الساكن فى ذاتها والمنتشى على حرفها الباذخ ، كما حصدت جوائز فى مسابقات شعرية وأسند اليها تحكيم إصدارات ومباحث أدبية هامة مما يعكس دورها كأكاديمية فاعلة وبارزة فى الشأن المعرفى والثقافى وكصورة بهية لإبنة شنقيط الواعية والمترعة بالمدنية والهوية الثقافية العريقة والتراث العربي الأصيل ما أهلها لتكون امتدادا لصورة أسلافها من الشناقطة الذى نحتوا صورة مشرقة لا تزال راسخة فى الذهنية العلمية لبلاد الحرمين

فى السعودية كبلاد تزخر بالجاليات من كل بلاد الله حيث تنتظم الجاليات وتتبارى فى الظهور والمشاركة فى الفعاليات الثقافية الكبرى فى البلاد من خلال الأنشطة والأسابيع الثقافية التى تعكس هويتها وتسلط الضوء على حضورها فى البلد كحاضنة من خلال البعثات الدبلوماسية والملحقيات الثقافية وهو مالم تكن دبلوماسيتنا معنية به كما يجب، كنا مع الدكتورة باته والأكاديمى الكبير أ.د مختار الغوث وبعض الأدباء نقوم وبجهد فردي بين الفينة والأخرى بتنظيم أمسيات ثقافية فى بعض المنابر الثقافية تحمل عناوين تسلط الضوء على بلاد شنقيط كان آخرها تلك الأمسية المشهودة بعنوان (الشعر فى شنقيط تجلياته وتصنيفاته ) والتى كانت مساهمة فى فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الاسلامية فى العام 2014م قدمت فيها الدكتورة باته ورقة بعنوان (المرأة والكتابة فى الثقافة الموريتانية ) صفق فيها الجمهور كثيرا عندما عرضت نموذج التبراع كجنس أدبي يعكس غزل المرأة فى الرجال كما سلطت الضوء على كاتبات موريتانيا واعمالهن الادبية ، كما عرضت دور المرأة الموريتانية فى تكوين العلماء فى مساهمة اخرى (ليلة الثقافة الموريتانية بنادى جدة الثقافى الأدبى )

تتمتع الدكتورة باته بمميزات عديدة أقلها التحضر والوعي المدنى ومهارات التواصل وكاريزما العلاقات العامة والشخصية الجذابة والهادئة مما يجعلها تترك انطباعا لدى من يقابلها بالألفة والتقدير كان ذلك يشعرنى بالأرتياح عندما تكون باته هي من يمثلنا فى القسم النسائى فى قاعات المحاضرات التى يحضرها النخبة من ثقافات وهويات متنوعة وكانت دائما مادتها البحثية تطلب لنشرها فى دوريات تصدرها المراكز المنظمة لأماسينا وندواتنا الثقافية التطوعية من أجل شنقيط

فى العام الماضى أرسلت لها الدعوة للمشاركة فى ملتقى العقيق الثقافى فى دورته السادسة بعنوان "الحركة الادبية فى المدينة المنورة خلال اربعين عاما" فاعتذرت ووافقت بعد ان أخبرتها انها الباحث الموريتانى الوحيد فى الوقت الذى يوجد فيه مشاركون من كل الدول العربية كنت أعلم ان ذلك كفيل بقبولها ، لكنها بدت كمن يضمر أمرا او اتخذ قرارا لا يريد ان يثنيه عنه احد كانت باته قد قررت الاستقالة فى وقت مبكر من العام وكانت العمادة تماطلها علها تنثنى عن ذلك القرار لكن السيف كان قد سبق العذل

عادت باته الى الوطن تاركة لنا الذهول والدهشة واليتم الثقافى ومحدثة فراغا انحسر من خلاله ظل دوحتها الوارف تماما كما تقول فى قصيدتها المذهلة (رحيل)

شدوا الرحال وادلجوا

هل عرجوا

ما عرجوا.....

لكن العزاء والسلوى لنا انها تعود الى رحاب الوطن والأهل حيث لا شيء يعدل الوطن، حين تضع عصا الترحال وتعانق الأرض وتنتشى بالريح على ضفة الاطلسي توشوش المحارات وترقب العمال وهم يعودون فى المساء ، ملهم لا شك ذلك الشعور وروح باته الشاعرية تدركه وتنزله حق منزلته        

تعود باته الى الوطن محملة بالخبرة العملية، ناقلة لتجربة ثرية ، خبيرة أكادمية ومخططة استراتيجية تربوية ، وحاصلة على الكثير من الدورات المتخصصة، صاقلة موهبتها الاكاديمية بالممارسة والتماهى مع نخب الاكاديميين الذين تعج بهم جامعة الملك سعود من هيئة التدريس والأساتذة الزوار مؤهلة لأن تفيد بلدها فى تطوير التعليم واصلاحه وتطوير المناهج وفق رؤية التعليم الحديث الذى يعنى بالموائمة والقياس والقدرات وعديد تقنيات اتقنتها باته ومارستها وتدارستها فى مؤتمرات دولية عدة ،

فى الدول التى تسعى الى النهوض يكون التركيز عاليا على التعليم على اعتبار انه  الإستثمار الاساس فى عملية البناء وعادة ما يستقدمون الخبراء فى هذا المجال وبتكاليف باهظة أحرى ان يكون من ابناء هذه البلدان من يمتلك الخبرات والتجارب

الأدب والشعر والنقد  سمة من سمات الدكتورة باته وجزء من كينونتها ولا مراء فى علو كعبها فيه غير انها اليوم الى جانب ذلك خبيرة تربويه وفق المنهج التعليمى المعاصر لها تجربتها التطويرية وبصمتها العملية فى المشاريع التطويرية فى أكثر من جامعة وحري ببلد يسعى الى اصلاح التعليم ان يفيد منها اذا قبلت مع علمى بحبها لوطنها الأمر الذى قد يجعلها لا تتوانى عن خدمته

كما انه جدير باتحاد الادباء والكتاب الموريتانى ان يحتفى بعودة أديب من العيار الثقيل مثل الدكتورة باته الى ارض الوطن والى الاسرة الثقافية  وأن يكرمها فى حفل لائق بعودتها المثمرة

السيرة الذاتية للدكتورة باته حمل بعير وانا ابه زعيم فقد حصلت عليها خلال تنسيق فعالية سالفة وسأضعها هنا دون استئذان منها ولا ضير فسعادتها حفظها الله لم تعد تبحث عن عمل

هنيئا لأهلى فى موريتانيا عودة باته وعزائنا فى فراغ العودة الذى تركته قول الاعرابي لابن عباس

اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية عند صبر الراس

وأجرك فى العباس خير من بعده والله خير منك فى العباس