منذ لحظة دخوله إلى البيت الأبيض لم يتوقف دونالد ترامب عن إحداث المفاجآت، بل ربما حتى أنه قد خيب آمال كل من توقع بأن يسارع الرئيس الجديد إلى التساوق مع الخطوط الرئيسية للسياسة الأميركية التقليدية ويقبل بالخضوع لإملاءات طبقة الموظفين العليا في كل من وزارتي الخارجية والدفاع في واشنطن.
ففي نهاية الأسبوع الماضي وقع الرئيس على قرار يقيد دخول اللاجئيين إلى الولايات المتحدة الأميركية من سبعة دول تعاني من الحروب والأزمات، وهي دول فاشلة: سوريا وليبيا والعراق والصومال والسودان واليمن، والتي ضم إليها ترامب إيران أيضاً. وجاء من تلك الدول الكثيرون من منفذي العمليات التخريبية في مختلف أنحاء أوروبا، وفي تركيا، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية، خلال السنوات الأخيرة.
لقد وُصف القرار الذي وقع عليه ترامب، من قِبَل منتقديه ومعارضيه، بأنه خطوة ضد المسلمين لكونهم مسلمين، إلا أن الحقائق ليست كذلك. فهو لم يقيد دخول الزوار من الدول الحليفة المسلمة أو العربية إلى واشنطن، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، وحتى تركيا. فالحديث يدور إذاً عن خطوة موضعية جاءت بهدف منع الدخول غير المضبوط للمهاجرين من دول يوجد فيها تواجد كبير، وحتى السيطرة في بعض الأحيان، للمنظمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة والتي تحظى، لبالغ الأسف، بتأثير وبتأييد في أوساط أجزاء من السكان المحليين.
كما أن زعماء أوروبا الذين يسارعون الآن إلى توجيه النقد لترامب يدرسون الإقدام على خطوات مشابهة وذلك في ظل الحاجة إلى إرساء التوازن بين الرغبة في مساعدة الملايين من اللاجئين الفارين من مناطق المعارك، والذين تمّ في حالات كثيرة طردهم من مناطق سكناهم على يد حكامهم أو على يد الأطراف المتحاربة، وبين الاعتراف بأنه إلى جانب العبء الاجتماعي والاقتصادي الذي تضعه موجة المهاجرين أمام دول العالم فإن موجات اللاجئيين تضم بين صفوفها مؤيدين، أو مؤيدين محتملين، للمنظمات الإرهابية التي تنشط في الدول التي يأتي منها هؤلاء اللاجئيين.
من الممكن، بطبيعة الحال، الشعور بعدم الارتياح من قول ترامب إنه سيمنح الأفضلية لطالبي اللجوء المسيحيين القادمين من تلك الدول وذلك لأنهم أبناء الأقلية المسيحية الذين تتم ملاحقتهم في الشرق الأوسط، أو حسب أقوال ترامب "لقد قطع الإرهابيون رؤوس الجميع، إلا أنهم فعلو هذا الأمر بشكل أكبر للمسيحيين". ولكن يجب أن نعترف أنه وعلى خلاف طالبي اللجوء المسلمين من تلك الدول المنهارة والذين يمكن أن يجدوا الملاذ والمأوى في مختلف أرجاء العالم العربي، والذي هو كله مسلم، يجب أن نعترف أن المسيحيين هم أقلية في الشرق الأوسط، وهي آخذة في التلاشي وواقعة تحت الخطر.
وهناك خطوة أخرى يقوم ترامب بدراستها وهي إقامة مناطق آمنة في سوريا، وهي الخطوة التي كان يجب على الرئيس أوباما تبنيها مع بدء الأزمة في هذه الدولة قبل ست سنوات. والآن يريد ترامب أن يضع خطوطاً حمراء لبشار ولبوتين، من خلال زيادة التدخل الأميركي في الأزمة السورية. ومن شأن العمل الممنهج للمحافظة على خطوط حمراء كهذه أن يؤدي إلى نتائج كبيرة بثمن متدنٍ. وذلك لأن بشار الأسد وبوتين أيضاً ضعيفان أكثر مما يبدو عليه الأمر، ولذلك فإنهما سيكونان من يتراجعا أولاً. وخطوة كهذه ستعيد الهيبة للولايات المتحدة الأميركية بين حلفائها، وستمكنها من العمل كلاعب نشط على الساحة السورية، وبشكل خاص، لتكون شريكة إلى جانب بوتين لوضع حل من شأنه أن يلبي مصالحها ومصالح حلفائها، وليس مصالح كل من روسيا وإيران فقط.
خطوة أخرى يقوم ترامب بدراستها هي تخفيض المساهمة التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية للمنظمات التابعة للأمم المتحدة وذلك في تناقض كامل مع السياسة الأميركية. وتوجد على الساحة الفلسطينية وفرة كبيرة لمنظمات من هذا النوع، والتي أدت نشاطاتها إلى تأخير إيجاد حل للنزاع. والنموذج على ذلك هو مؤسسة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، والتي كان الهدف من إقامتها هو الاهتمام بجهاز متضخم من الموظفين وأصحاب المناصب، وإلى جانب ذلك، الإبقاء على مشكلة اللاجئيين تحت محاولة إيجاد حل لها.
إن الحديث يدور عن خطوات أولية تؤشر إلى النية بعدم الانجرار وراء الأحداث، بل ومحاولة فرض جدول أعمال عالمي وإقليمي جديد ينسجم مع رؤى الرئيس المنتخب. وهذا الأمر يتعارض مع التقييمات القائلة إن ترامب سيبدي سلبية وسيركز فقط على مشاكل الولايات المتحدة الأميركية الداخلية. العكس هو الصحيح، فخطوات ترامب فيها ما يدل على الرغبة بتغيير ما هو قائم والإقلاع عن الجمود الذي سيطر على السياسة الأمريكية في مجموعة من القضايا الرئيسية خلال العقد الأخير، وهذا أمر جيد أيضاً.
المصدر