عندما تتنامى الدعوة لنشر خطاب الكراهية والتفرقة، من قبل نزر قليل، يتحدثون باسم ” البيظان، أو الزنوج ، أولحراطين، أو لمعلمين، أو العلمانيين” ، ممن لا يمثلون السواد الأعظم من هذه المسميات والأيقنات، يكون الصمت عن ذلك ، نوعا من الجرائم في حق الإنسانية،وحضارة التنوع والجمال، وشكلا من أشكال التواطئ المريب ، والضعف المزري ،سواء صدر من حزب، أومجموعة، أو حركة، أو قناة، أو نقابة ، أو منتدى، أو رابطة حقوقية، أو مسؤولا عموميا
إن الأمم لا تبنى إلا على المشتركات، وتنوع مجتمعنا قوة وثراء ، ومن يرى غير ذلك مختل أو أرعن.، سواء انتشى تحت التخدير غير صاح، أو كان “يحش” حربا بالوكالة ، أو يجيد أن يذرف” دموع التماسيح”، ويهوى الترنح وهو يحمل” قميص” عثمان المظلوم.
وما يمكن أن نقوله لحكماء وعقلاء البلد، إن قبلتم إرساليات فتنة الدهيماء هذه، خسرتم أوطانكم، ووطئ الدخيل وجاس دياركم، وذهبت قوتكم، وفشلتم وتنازعتم في الأمر، وأصبحتم في خبر كان وأخواتها.، ألا ترون بغداد لا بواكي لها، وصنعاء لا ناعي لها، وتيمبكتو ذهب بريق إيوان ذهبها، والشام أزفت آزفتها؟
خطر المراهنة على”الأحزاب الهشة”
بينت تجارب السنوات الأخيرة ، أن المراهنة على ” أحزاب المخزن”، و تفريعاتها من”مبادرات شباباليمين واليسار” ، وأطر أشكال الأنظمة التقليدية الجمهورية والملكية{ المحافظة ، واليسارية }، مثل أكبر الأخطاء الفادحة، التي قادت إلى انهيار هذه الأحزاب التقليدية وتوزيع أسلابها، واختفت أنظمة تلك الأحزاب ومنظوماتها بشكل أتراجيدي ومتسارع .
فرنسا ماكرون كانت مثالا حيا، وصعود اترامب في الولايات المتحدة ليس استثناء
وقد شاهدتم بأم الأعين كيف أن الأحزاب الشمولية العريقة التي حكمت خلال سبعين عاما الأخيرة انتزعت منها الراية سلما بالانتخابات، أوغلابا بالهبات الشعبية وبالتدخلات الأجنبية، والأشهاد على ذلك لايزالون أحياء ، يسكنون أزقة وناطحات سحاب: لندن ومدريد، و الرباط وتونس، و دكار وبامكو، و صنعاء وبغداد، و القاهرة وطرابلس.
وهو الوضع لم يخطر على بال لمن هرب ولمن كبكب ، أوصل قيادات متهورة وغير محنكة إلى مصادر القرار فجأة، وجعل ارث الأنظمة الاستبدادية المنهارة يلقي بكله وكلكله على عاتق من لم يخبر صك النقود ولم يدرس إدارة الأزمات، ولم يختبر قوانين السلم الأهلي في فترات الحرب والسلم.
بمعني أوضح ليس اليوم لفرنسا شارل ديكول، ولا للهند نهرو، ولا لمصر عبد الناصر ، ولا للسعودية المؤسس عبد العزيز، ولا الولايات المتحدة نيكسون، ولا للفلسطينيين ياسر عرفات.، ولم يبق من رجال المعترك في قارة افريقية عضها الجدب، إلا سلما يرى وعافية تجنى في موريتانيا واتشاد الطرفين الأساسيين في أي نظام للأمن الإقليمي بالساحل والصحراء ، رغم قلة موارد الموريتانيين ، وخواء بطون اتشاديين ، فالرهان دائما كان على حسن النية والشجاعة ، وليس على اخوة يوسف ، وعير البيع الزهيد في سوق المزاد والنخاسة.
نكرر لتعقلوها: الأحزاب الممجدة للفرد ، قسمت أسلابها، وضاعت أوطانها، وكسرت حلابها.، وهجرت شعوبها، وغرغرت من يهوى لهاها.، والمراهنة عليها في الانتخابات وفي حفظ المنجزات والأوطان، يجب أن يكون بنسبة لا تتجاوز أقل من آحاد بالمائة، والإنفاق على تخرصاتها يجب أن يتراجع كما تراجعت شعبيتها بصفرين ، لا بصفر واحدة.
اليوم لا بد من رؤية وخطاب، وبرامج ونجاحات، وايمان وارادة، وشراكة وفريق عمل، واحزاب مؤسسات تربوية ومنابر فكرية، وسياسات تجمع بين المبادئ والأخلاق، جاذبة للنساء العصاميات وللرجال الشداء وللشباب الحي والطموح.، لعبة الموت قبل الموت وركوب القطار أو الفوت ماتت مع الربيع، وانتهت مع ذلك النحيب وخيالات التشبيب.
بناء الكتلة التاريخية هي الحل الأمثل لمواجهة تحديات المستقبل
تبنى الأوطان اليوم بمنهاج الكتلة التاريخية، وروح فريق العمل،
وليس بالتفرد والتودد،فالفرد كائن يمرض ثم يموت، والمتودد محترف يتلون كالحرباء ، ويصفر كمن يصعر خده المكدود للناس، أي ناس.
الكتلة مجموعة من الدول، ومجموعة من المصالح، ومجموعة من الرؤى، ومجموعة من القوى الناعمة والخشنة، يخرج من بين صلبها وترائيها، اللبن الخالص.
يخرج من بين فرثها ودمها التبر واللئالئ، فمعارضاتها أفكار، وزبناؤها أسواق بحجم قارات خمس ، وسكان كوكبنا السبع مليارات نسمة، وأهدافها نشر مغارس العلم والسلم والحلم، في الأرض، أرض ميراث المصلحين ، وتقديم أخلاق قوتنا الناعمة، للسلوك السياسي لإدارة الأنظمة، والمهني لإدارة العلاقات مع الصديق والأجنبي.
هذه الأرض الصالحة ، المستصلحة ، لا يقتل فيها قابيل الأخ هابيل،ولا يلقي فيه الإخوة يوسف في غياهب الجب،ولا يعمر فيها الواشى والنمام ممن ينقلون أحاديث المجالس.
ولا يحتفى فيها بقاطع الرحم والحسود والكنود، ولا تضام فيها رؤية شمس العدل والحق ، الناس فيها عدول، والأشهاد فيها مبرؤون من نقل الافك وقول الزور، ومتأففون عن الكيد والمكر بالرفاق والأخلاء، وقد قال الإمام يحي بن أبي كثير:{ يُفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة.، وكلاهما حذر من بوائقه القرءان والسنة}.
أليس نبينا صلى الله عليه وسلم هو القائل: لا تحدثوني بما يقوله أصحابي بعدي فاني أحب أن أخرج إليكم وأنا خالي البال،وهو من يقول: لا يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، وهو من يحمي حاطب بن بلتعة فيقول بمسجده لعمر الفاروق: وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فاني قد غفرت لكم.
سيقول من يلوون أعناقهم لواذا، أنت تقدم مواعظ، ويعبس بعض الوشاة في وجوهكم ويقولون: هذه مثل، لا هذه أحكام سلطانية، وتعاليم ربانية، ومن يحرم مفاتيحها، يورد موارد النطع والسيف، كل من لم يعمل بها من الأمويين إلى الليبيين ورد القليب ، تلك جنائزهم لا تعرفون أين دفنت، وتلك عروشهم خاوية بقيت ذكرى للذاكرين، قال تعالى في سورة طه:” هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ؟”
البقاء يعني التكتل عن وعي والوحدة بقناعة ، والإجماع بلا ارتجال أو إرجاف، والأخوة بلا رشوة ، والمحبة بلا اكراه، “لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي”.
والكتلة التاريخية تعني أن يكون الشعب وجيشه، والوطن وأرضه، والأحزاب والنقابات إخوة وأخلاء ، لاغوغاء ولا غرماء، والكتلة تعني عقدا اجتماعيا جامعا، لا سجون فيه للمخالفين في الرأي، ولا يأكل فيه الأخ، لحم أخيه ، وان دعاه الوالغ عن له قائلا: إني أخاف الله رب العالمين.، أهل هذا المسار وهذا النهج لا يخشون الناس،وان أخنثوا ، أو ضربوا في الأرض، لا يخشون إلا الله، والذئب على الغنم.
الكتلة التاريخية عمل جبار لحل تراكمات الإرث التاريخي للاستعمار والاستلاب، والتعددية العرقية ، والايدولوجيا العفنة ، والتعصب الأعمى ، والمظلومات، وكافة أنواع الصراعات السياسية والدينية والثقافية، وهي الحكامة التي تلغي دور السلاح بين الأشقاء، ودور المال الأجنبي في إذكاء الحروب الداخلية والإقليمية.،وتنأى بالبلد عن الحروب الخارجية ، وعن جميع أشكال الاحتقان الداخلي.، والاستهزاء بالمغلوب والضعيف.
اليوم يجب أن نقبل التكتل ونرفض التفرد، ف”طريق الحرير”إلي الصين ، والنظام الإقليمي لدول الساحل ، وإحياء المغرب العربي ، و الاندماج النشط في التجمعات الاقتصادية في العالم ،ومجموعات الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، والجامعة العربية ، والاتحاد الأفريقي،والاتحاد الأوروبي ، ومجموعة 20، وتكتلات حماية الأرض والمناخ
ومناخ الاستثمار وجودة الإنتاج.، والاستفادة الذكية من المحاور، كلها يجب أن تحتل بلادنا دورا محوريا في حاضرها ومستقبلها.، دون أن تكون مرتهنة لأي طرف، وهذا هو أهم انجاز منذ قررنا أن لا نخوض حرب وكالة، ولا نتحرى أن يقدم الأجنبي لنا نظم الحماية.
في ضوء فهمنا لأهمية أن نتكتل لبناء قدرات بلدنا ، ولمواجهة الأخطار التي تهدد بقاء نوعنا، و”حضارة الرحل بجمالها السياحي ” ، يمكن بواسطة”الكتلة التاريخية”،
أن نواجه حروب{الإرهاب، والهويات}، وحروب{النفط والغاز}،
وأن نوقع ميثاقا بين الأغلبية الراشدة ، والمعارضة الناصحة
ينهي الخلافات، ويلغي مصالح من يبني سياساته على هذه الخلافات، التي هي في غالبيتها، عناد وخرافة.، أوتعصب وحماقة
الموريتانيون بنسبة {الأغلبية المطلقة} ، لا يبحثون عن كرسي الرئاسة، وإنما يبحثون عن العدالة والتنمية والأمن، ليس في فقه الابانة الإمامة عندنا من {الرسالة للشافعي، إلي الأحكام السلطانية للماوردي، والاعتصام للشاطبي} طلاب سلطة، بل نحن طلاب عدالة وأمن وتنمية.
ومن يسلبنا ذلك الحق، لم نستسلم، ولم نرض له .
ان أعظم مقاومة في التاريخ كانت تحت شجرة، وأكبر نور هداية احتمى بالخندق وغارحراء، وأصغر نذيرلأمة ولأعظم ملك كان نملة.
رحم الله النملة، والشجرة، والحجارة فقد خلدهم التاريخ أكثر مما خلد الحزب الهش ، وخطاب الكراهية ، وشر الناس “ذا الوجهين”
ساحرا كان، نماما هان، مقسما باليمين الغموس كلما عسعس الليل،
وكلما تنفس الصباح، ليرضوكم بأفواههم، في زمان بان بالثلاث فيه الهماز المشاء بنميم، وأسف فيه البائس الفقير من أخلاق مجد أثيل.
باسم الله العظيم المتوسط بين الكاف والنون في سورة الفتح،و بالقسم الذي جمع بين نون والقلم في سورة القلم، وبعصمة الإيجاب وعصمة السلب، لئن لم تستيقظوا لمحاربة خطاب الكراهية المقيت، وتجانبوا محاباة أحزاب لا تطعم من جوع ولا تجير من إملاق، ولا تأوي مستأمنا أو خائفا…لتركبن طبقا عن طبق..لا ينجيكم اذا “فار التنور” من أهوال طباقه، إلا ركوب سفينة المئذنة والمحظرة ، بزاد الأذان بيوتا مرفوعة ، ومداد الأقلام بحورا ممدودة.،قبطانها يقول لمن قال له الناس{ان الناس قد جمعوا لك}
حسبنا الله ونعم الوكيل.، ويردد السلام الخالد :سلام على آل ياسين.
بقلم محمد الشيخ ولد سيدي محمد أستاذ وكاتب صحفي