من أصعب المشاكل التي يواجه المواطن الموريتاني اليوم صعوبة الخدمات الادارية، إذ تسود الزبونية المجتمعية والأطماع المادية في أغلب إدارات الدولة ومؤسساتها.
إن الخطوة الأولى في سبيل الإصلاح تبدأ بمحاربة الفساد الذي يعشش في كافة مفاصل الإدارة. بيد أن محاربة الفساد عملية طويلة الأمد، تحتاج لإرادة سياسية قوية، تضرب بيد من حديد لا بيد من حرير، كما تحتاج لإسناد تسيير الشأن العام لكفاءات وطنية تؤمن بالإصلاح وتكون الأولوية بالنسبة لها خدمة الوطن لا إشباع رغباتها الشخصية.
لا إصلاح ولا مشاريع تنموية تؤتي أكلها إلا بالقضاء على الفساد المتمثل أساسا في هدر موارد الدولة، والعبث في إدارات الدولة ومؤسساتها باستغلالها لتحقيق أهداف شخصية وأنانية وانتشار الزبونية والرشوة.
في ظل هذا الواقع القاتم، هناك بوادر للإصلاح ظهرت في تصريحات رئيس الجمهورية التي التزم فيها بمضاعفة التركيز على محاربة كل أشكال الفساد، وفي استقالة الحكومة وتعيين حكومة جديدة يراد لها أن تكون "قريبة من المواطن". فقد صرح الوزير الأول محمد ولد بلال، بعد إعادة الثقة فيه، أن الحكومة الجديدة ستكون قريبة من المواطن، وبأنها "ستعمل على تجسيد ما يطمح إليه فخامة رئيس الجمهورية للبلد" وعلى مواجهة التحديات الهيكلية التي تعاني منها الإدارة. وهذا مما يبعث الأمل في النفوس المتعطشة للتغيير.
في سياق الحديث عن إصلاح الإدارة، ومن أجل تقييم موضوعي لسياسة رئيس الجمهورية في هذا المجال، قمنا ببحث معمق عن واقع بعض الإدارات والمؤسسات، حتى نطلع على واقع الإدارة المعاش من طرف المواطن ومدى ولوج هذا الأخير إلى المرافق العمومية. وقد لفت انتباهنا مستوى الشفافية في إدارة الشباك الموحد لإنشاء المؤسسات، وجعلتنا ننتبه إلى أنه يوجد نصف ممتلئ من الكأس، أو على الأصح أن الكأس ليس فارغا تماما. وبالتالي سنركز في هذا المقال على وكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا، في ظل إدارة المديرة العامة الشابة المتميزة عيستا لام ومديرها المساعد الإداري المخضرم أحمد ولد خطري، والشباك الموحد التابع لها.
الشباك الموحد هو مركز لتوحيد الإجراءات المتعلقة بإنشاء المؤسسات، تتمثل مهمته في تسريع إنجاز الإجراءات الشكلية المتعلقة بتأسيس المؤسسات. وهو يضم لهذا الغرض ممثلين عن عدة إدارات ومؤسسات معنية بإنشاء المؤسسات، ونذكر من ضمن هذه الإدارات والمؤسسات المحكمة التجارية بنواكشوط، والمديرية العامة للضرائب، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، فهو مسؤول، على سبيل المثال لا الحصر، عمَّا يلي:
-» استقبال المستثمرين وأصحاب المشاريع وتوجيههم؛
-» تلقي طلبات إنشاء المؤسسات (الشركات والتجار)؛
-» القيام، بشكل شفاف وسريع، بإنجاز جميع الإجراءات الشكلية (السجل التجاري، رقم التعريف الضريبي...) المتعلقة بإنشاء المؤسسات أو إنشاء الفروع أو الوكالات أو التمثيليات في أجل لا يتجاوز 48 ساعة؛
في ضوء ما سبق فإن مهمة الشباك الموحد تتمثل في تسهيل عملية إنشاء المؤسسات في وقت أقل وبتكلفة مناسبة، بشكل سريع وشفاف وفعال ومبسط، دون الحاجة إلى التنقل من إدارة إلى أخرى.
لقد قمنا باستطلاع رأي بعض مراجعي الشباك وقد أكدوا لنا أن الشباك الموحد، كالكثير من إداراتنا، كانت تعمه الفوضى قبل مجيء الإدارة الحالية لوكالة ترقية الاستثمارات التي عملت على تصحيح كافة الاختلالات والصعوبات التي كان يعاني منها الشباك و إيجاد الآليات المناسبة للحد من ظاهرة الرشوة والسمسرة، وقد قامت المديرة العامة السيدة/ آيستا لام، يساعدها الإداري المخضرم أحمد ولد خطري، بالتركيز على محاربة الفساد في إدارة الشباك الموحد، كما عملت على تفعيل دوره في تبسيط إجراءات إنشاء المؤسسات ومنح إفادات الاستثمار، كما يُذكرُ لها تجهيز البنية التحتية للإدارة، والتركيز على إسناد العمل لأصحاب الكفاءة، وتوظيف النساء لتصبح وكالة ترقية الاستثمارات من الإدارات القليلة التي تجد فيها المرأة المتعلمة مناخا مناسبا لإثبات كفاءتها، وقد أعطت سياستها نتائج إيجابية فقد تحسن أداء الشباك.
لقد اتخذت إدارة الوكالة حزمة من الإجراءات للحد من الفوضى وتنظيم العمل وتقريب الخدمة من المستثمر، وقد تمثلت تلك الإجراءات، حسب من استطلعنا رأيهم، في:
-» تغيير طاقم مصلحة الاستقبال وتكليف شباب مقتدرين كانو يعملون سابقا في الشباك، بتولي تسيير مصلحة إنشاء المؤسسات بالشباك التي تُعنى بالاستقبال. ونذكر أن الطاقم الذي الذي تم إختياره يضم عدة فتيات مقتدرات أثبتن جدارتهن واستقامتهن بشهادة الجميع، وهو ما يثلج الصدر ويمكن أن يعتبر نتيجة إيجابية لسياسة الدولة المتعلقة بتمكين المرأة؛
-» مكافحة الفساد والرشوة من خلال فرض الالتزام بالشروط القانونية المنصوصة؛
-» اشتراط تقديم توكيل موثق في حال عدم تقديم الملف من طرف المعني؛
-» احترام الأجل القانوني، 48 ساعة، لإنشاء المؤسسة واكتمال كافة الإجراءات (السجل التجاري، رقم التعريف الضريبي، الانتساب للصندوق الوطني الاجتماعي).
وفعلا قد لفت انتباهي الأداء العالي للفريق الموجود بمصلحة الاستقبال، إذ أنني سبق وأن زرت الشباك قبل مجيء الفريق الحالي السالف الذكر، الذي تم إسناد العمل إليه من طرف الإدارة الحالية للوكالة، وقد لاحظت أنذاك فوضى وعبثا يفوقان التصور، لأتفاجأ أثناء مجيء الأخير بالتغير الإيجابي الذي طرأ على الشباك من حيث استقبال المواطنين وسرعة التعاطي معهم ووتيرة العمل السريعة. وقد أعجبني تفاني الفريق العامل بمصلحة إنشاء مؤسسات (الإستقبال)، الذي يتميز بالكفاءة والنزاهة والاستقامة والأداء العالي والمهنية والصرامة في العمل والانضباط، كما يتمتع بأسلوب محترم في التعاطي مع المواطنين. وقد سألت بعض المراجعين فأجابوا بأن الإجراءات أصبحت تكتمل في الأجل القانوني دون تأخر ودون الحاجة إلى تقديم رشوة أو البحث عن وساطة، وهذا أمر إيجابي يذكر فيشكر، ويستحق التشجيع، ويعود الفضل فيه إلى السيدة/ المديرة العامة آيستا لام والمدير العام المساعد للوكالة الإداري المخضرم أحمد ولد خطري.
لقد اتضح لي من خلال البحث الذي أجريته عن إدارة الشباك الموحد والفريق المكلف بمصلحة الاستقبال أن هذه الإدارة تمثل نموذجا من الإدارة القريبة من المواطن، والتي لا يحتاج المواطن، للحصول على خدماتها، إلى تقديم رشوة أو البحث عن وساطة. ويمكن تقديم هذه الإدارة كنموذج خال من الزبونية والمحسوبية والوساطة والرشوة والأمور المشابهة لها، ويعود الفضل في ذلك لإدارة وكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا (APIM) التي عملت منذ مجيئها على تطهير الشباك من جميع الممارسات السلبية التي تعيق ولوج المواطن لخدماته، كما يعود الفضل للطاقم العامل بمصلحة الاستقبال الذي يتكون من شباب نشطين وحيويين ومستقبلين.
وأختم بالقول إن أولى مسببات الفساد، هي الانتهازية السياسية، والزبونية والعصبية الاجتماعية، حيث تعمل مجموعات من الانتهازيين والنفعيين على التغلغل والتسلق في المسؤوليات وبناء شبكات من السماسرة وباعة الخدمات العمومية في كل إدارة. وبالتالي لا بد من العمل على نشر وعي شعبي ونخبوي حول ضرورة القضاء على الفساد ومسبباته، وحواضنه وتجلياته، حينها سيتحقق الحلم، وتصلح الإدارة والمسؤولون، وتكبحُ قوة الدولة وإرادة السلطة جماحَ الفساد. كما ينبغي التنبه للموظفين الذين يعملون بجد وتفان وتشجيعهم وحثهم على تقديم المزيد من العطاء والأداء الجيد.
(بقلم الصحفي أمير سعد)