
بين الأمن وحقوق الإنسان: سياسة موريتانيا تجاه الهجرة وترحيل الماليين والغينيين
تعد قضية الهجرة غير الشرعية من أبرز التحديات التي تواجه العديد من الدول في منطقة الساحل الإفريقي، وخاصة موريتانيا التي تمثل نقطة عبور هامة للمهاجرين القادمين من دول الجوار مثل مالي وغينيا. في إطار مواجهة هذا التحدي، اتخذت الحكومة الموريتانية العديد من الإجراءات السياسية والأمنية للتعامل مع تدفق الهجرة غير الشرعية، مع التركيز على الحفاظ على الأمن الداخلي والاستقرار الوطني، فضلاً عن الالتزام بالقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وقد لاقت سياسات موريتانيا في هذا المجال إشادة من العديد من المراقبين، وذلك من خلال اتخاذ خطوات حاسمة لوقف تدفق الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك عمليات ترحيل المهاجرين الغينيين والماليين.
السياسات الموريتانية تجاه الهجرة غير الشرعية
في ظل تزايد تدفق المهاجرين غير الشرعيين من دول مثل مالي وغينيا بسبب النزاعات المسلحة والفقر، تبنت موريتانيا سياسات صارمة لمواجهة هذه المشكلة، ومن أبرز هذه السياسات:
ترحيل المهاجرين الغينيين والماليين:
قامت الحكومة الموريتانية مؤخرًا بتنفيذ عمليات ترحيل واسعة النطاق للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من غينيا ومالي. وفقًا للمستشار الفني المسؤول عن قضايا الهجرة بوزارة الخارجية المالية، بولاي كيتا، فقد تم ترحيل حوالي 528 مهاجرًا ماليًا عبر معبر كوكي الزمال الحدودي بين البلدين. بدأت عمليات الترحيل في 2 مارس 2025، وقد حصل المرحلون على مساعدات من سلطات بلادهم. وقد جرى ذلك في إطار "قرار سيادي اتخذته موريتانيا لمواجهة الهجرة غير الشرعية"، كما أشار المسؤول المالي. بالإضافة إلى ذلك، دعت السلطات الموريتانية إلى "تحديد هوية المهاجرين من خلال عملية تسجيل خاصة والحصول على تصاريح إقامة".
التحديات والنجاحات في تنفيذ هذه السياسات
رغم الانتقادات التي قد تواجهها هذه السياسات، لا يمكن تجاهل النجاحات التي حققتها موريتانيا في هذا المجال. على سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن عمليات الترحيل التي نفذتها موريتانيا لم تؤدِ فقط إلى تقليص عدد المهاجرين غير الشرعيين، بل ساعدت أيضًا في تعزيز التعاون الإقليمي بين موريتانيا والدول المجاورة مثل مالي وغينيا. كما ساهمت السياسات الأمنية في تعزيز استقرار المنطقة، مما يعكس نجاحًا في تحقيق توازن بين الأمن وحماية الحدود من جهة، وبين الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان من جهة أخرى. وقد أدت الحملة الأخيرة التي شملت اعتقالات لعدة مئات من المهاجرين غير النظاميين إلى تفكيك بعض الشبكات التي كانت تُسير الجريمة المنظمة، مما يشير إلى فعالية هذه السياسات في الحد من الهجرة غير الشرعية.
التعاون الإقليمي والدولي
على الرغم من التحديات التي قد تطرأ جراء هذه السياسات، تسعى موريتانيا بشكل مستمر لتعزيز التعاون مع دول الجوار والمنظمات الدولية لمكافحة الهجرة غير الشرعية. في هذا السياق، تبرز أهمية التعاون بين موريتانيا ومالي وغينيا في التعامل مع قضية الهجرة، حيث تعمل السلطات الموريتانية بالتنسيق مع تلك البلدان لتسهيل عمليات الترحيل وضمان العودة الآمنة للمهاجرين. وقد أجرى وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك اتصالات مع نظرائه من مالي، والسنغال، وغامبيا، وساحل العاج، كما استقبل سفراء هذه البلدان في نواكشوط. كما تواصل موريتانيا المشاركة في المبادرات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى تحسين إدارة الحدود وتعزيز الأمن. بالتوازي مع ذلك، تسعى إلى معالجة الأسباب الجذرية للهجرة مثل الفقر والنزاعات من خلال تقديم الدعم التنموي في الدول المصدرة للهجرة، مما يعكس اهتمامًا طويل الأمد في مواجهة تحديات الهجرة.
التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان
يعد أحد أكبر التحديات التي تواجه موريتانيا في تنفيذ سياسات الهجرة هو تحقيق التوازن بين الحفاظ على الأمن الوطني من جهة، وضمان احترام حقوق المهاجرين من جهة أخرى. ورغم أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة في هذا المجال قد تكون قاسية في بعض الأحيان، فإن الهدف الأساسي هو الحفاظ على استقرار البلاد وأمنها الداخلي. لذا، فإن مراعاة حقوق الإنسان أثناء تنفيذ هذه السياسات أمر ضروري، ويجب أن يتم دائمًا في إطار يضمن عدم تعريض المهاجرين للخطر.
تظل سياسة موريتانيا تجاه الهجرة غير الشرعية، خاصة فيما يتعلق بعمليات ترحيل المهاجرين الماليين والغينيين، نموذجًا على تعامل الحكومة الموريتانية مع هذه الظاهرة المعقدة. بالرغم من التحديات التي تواجهها هذه السياسات، فإن الإجراءات المتخذة أثبتت فعاليتها في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد. ومع تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، من المرجح أن تواصل موريتانيا تحسين هذه السياسات بما يتناسب مع تطورات الوضع الإقليمي والدولي، لضمان تحقيق توازن بين الأمن وحماية حقوق الإنسان.
الباحث والأكاديمي: الشيخ إبراهيم / المصطفى / متالي