
مرّ عام على انطلاقة المأمورية الثانية لفخامة رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو عامٌ لم يكن موسومًا بالشعارات الجوفاء، ولا بالاستعراض السياسي، بل بالعمل الهادئ، والإصلاح المتدرج، والسعي الصادق لتغيير واقع الموريتانيين في العمق.
لقد اختار الرئيس أن يبتعد عن الضوضاء، وأن يترك الأفعال تتكلم بدلًا من الألسنة، فشهدنا تحسينات ملموسة في قطاعات التعليم، وزيادات معتبرة في الأجور، وتهدئة للمناخ السياسي، وعقلنة في إدارة الشأن العام. ولئن كان بعض أنصار الرئيس يعبّرون عن فخرهم بما تحقق، فإنهم – في الوقت نفسه – يرفعون أصواتهم محذّرين من اختلالات لا يمكن تجاهلها، لأن إنكارها لا يخدم المشروع، بل يخذله.
ولعل المهرجان الأخير الذي نظّمه حزب “الإنصاف” احتفالًا بعام على المأمورية الثانية، كان مناسبة لإظهار الدعم السياسي للرئيس، لكنه كشف أيضًا عن مفارقة صارخة بين الطبقة الرسمية التي شاركت في المهرجان، والشرائح الشعبية التي تعاني على الأرض من ظروف قاسية. فقد شهدت العاصمة نواكشوط، في ذروة أيام الاحتفالات، انقطاعًا شاملًا للمياه دام عدة أيام، رافقته انقطاعات متكررة للكهرباء، وارتفاع جنوني في الأسعار طال المواد الأساسية والخدمات الضرورية.
ربما لم يشعر الوزراء والوجهاء وكبار الموظفين بتلك المعاناة؛ ففي فيلاتهم خزّانات ماء تكفي لأسابيع، ومولّدات كهربائية لا تتوقف، ولكن في أحياء الترحيل، و”عرفات”، و”ملح”، و”ما وراء مدريد”، كان المشهد مختلفًا تمامًا: عطش، وحر، وانقطاع، وسخط شعبي يتصاعد بهدوء… ثم، فوق كل ذلك، تُبثّ مشاهد احتفالية مبالغٌ فيها، يتبارى فيها بعض المتملّقين في المديح والتطبيل، وكأن البلاد بخير مطلق.
وهنا يكمن الخطر الحقيقي: استفزاز المواطن العادي، الذي وضع ثقته في الرئيس، وصوّت له قناعةً لا خوفًا، وأمّل في برامجه لأنها وعدت بإنصافه، لا بتهميشه. المواطن الذي يراهن على هذا العهد لا يطلب إلا شيئًا من الصدق، ومقاربةً للأولويات كما يعيشها في يومياته.
فخامة الرئيس لا يحتاج إلى قصائد المديح، بل إلى وقائع الإنصاف. لقد وعد بالعدل، وشرّع الأبواب لحوار وطني مسؤول، وأعاد الهيبة لمؤسسات الدولة. فهل يُعقَل أن يُقابَل هذا الجهد بماكينة إعلامية باهتة، ومهرجانات تُستنسخ فيها ذات الوجوه، وذات الأساليب التي شوّهت العهود السابقة؟
يحق لنا أن نحتفل بما تحقق، لكن يحق لنا – أكثر – أن نطالب بالوفاء الكامل لجوهر المشروع: مشروع إنصاف الفقراء، وردّ الاعتبار للمهمّشين، وإخضاع كبار المسؤولين للمحاسبة، لا لبطولات المنصات.
نحن مع الرئيس، قلبًا وقالبًا، لكننا نرجو أن يكون المهرجان القادم ليس مناسبةً للتصفيق فقط، بل لحصيلة تُلامس واقع الناس، وخطاب يُشعرهم بأنهم في صلب المعادلة، لا في هامش الصورة. فهؤلاء هم الذين من أجلهم وُضع البرنامج، ومنهم استمد شرعيته، لا من موكب التزلف السياسي العابر.
الرئيس بخير، والمشروع واعد؛ فلنحمهما من تشويش المهرجانات، و كرنفالات التهريج.