البوابة, 01/ نيسان / 2017 ـ ترامب، ترامب، ترامب. لا شيء غير ترامب يعني أميركا. شخصيته سيطرت تماماً على مجال الخطاب الأميركي العام، من الفكر العلمي وحتى الثقافة الشعبية.
لا يمكن لنا أن نشعر بشدّة الهوس الصادم مع ترامب من بعيد. فمن أجل هذا هناك حاجة لزيارة أميركا لزمن ما، والاستماع لثرثرة النزلاء في فرع "ماكدونلز" المحلي، أو لتبادل الأحاديث بين محتسي القهوة في فرع "ستاربكس". فتح الراديو على وابل الأحاديث مع المستمعين، ومشاهدة برامج الاستضافة على التلفزيون. كل شيء يدور حول ترامب.
وهذا حسن ومشوّق. مواضيع تعبة وغير مشتعلة، مثل الفكر، الأيديولوجيا، الحكم، حرية الاختيار، حرية الابداع، العنصرية، العلاقات الاقتصادية الدولية، الطغيان، الفاشية، وفوق كل شيء – جوهر ومستقبل الحلم الأميركي، تلعب دور النجم الآن في رأس الاهتمام العام.
فقد تعاظم حجم تغطية قنوات الأخبار والبرامج الواقعية مثل "سي.أن.أن" و "فوكس"، وتضاءلت إلى الثلث تغطية برامج الترفيه من نوع الواقعية أو الطبخ، الموضة والثرثرة. وإلى رأس قائمة أعظم المبيعات ارتفعت كتب من الماضي وصفت سيطرة الفاشية على الولايات المتحدة.
لقد أدّت ظاهرة ترامب بالأميركيين لأن يطرحوا أسئلة وجودية عميقة: "من نحن، ما الذي يوحدنا، ما الذي يفرقنا، ما الذي على الإطلاق – وهل – يجعلنا أمة واحدة؟". ومثلما قلّصت أحداث 11 أيلول، مؤقتاً على الأقل، من قوة جاذبية مسلسلات تلفزيونية مثل "الجنس والمدينة الكبرى"، هكذا دحر انتخاب ترامب مؤقتاً إلى أسفل السلم مسلسلات من نوع "بنات". فترددات النفس المعذبة للمواطنات وسكان المدن الكبرى أخلت مكانها لتوثيق الحياة في بلدات مهملة وبعيدة – بلاد ترامب.
في أميركا 2017 يتحدثون علانية عن أميركيتان، عن مجتمع منقسم لعله لم يعد ممكناً توحيد أطرافه.
اليسار الأميركي راضٍ عن السقف مما يراه كتجنيد للجماهير الأميركية إلى صفوف المقاومة (Resistance) النشطة لإدارة ترامب. وحجوم التجند السياسي ضد ترامب مثيرة للانطباع بالفعل، ولكنها بعيدة جداً عن أن تكون جماهيرية ومؤثرة. فهم لا يؤثرون. لا أمل في الإطاحة بترامب بمظاهرات الشوارع أو بالمقاطعة الثقافية، ولا حتى بقرارات المحاكم. فمنظومة إنفاذ القانون، والقضاء في الولايات المتحدة مشوّهة ومستقطبة بقدر لا يقل عن المنظومات العامة الأخرى.
"الشعبوية" حتى الآن، تتعاظم فقط. صحيح أن هزيمة ترامب في مساعيه لتمرير تشريع يلغي أسس الاصلاح الصحي لسلفه باراك أوباما، فسرت كاخفاق سياسي – ولكنها في نفس الوقت سمحت له بالعودة إلى شخصيته الأصلية كزعيم شعبوي شاذ، "آخر"، "شعبي"، وبالتالي ليس مقبولاً من الكونغرس، الذي ليس له أي مصداقية في الرأي العام الأميركي.
في حساب الصورة الشخصية نجد أن الهزيمة في الكونغرس عززتها بالذات. وهكذا يقترب ترامب من النهاية الناجحة – من ناحيته على الأقل – للمئة يوم الأولى في الرئاسة. فأول أمس فقط وقع على مرسوم رئاسي تصريحي (آخر)، هذه المرة ضد اللوائح لمنع المسّ بجودة البيئة. فهو محب كبير للمراسيم. وإذا ما تبيّنت قصة غرامه الروسية أخيراً كحكاية مروية ليست مثابة اشتباه بعمل جنائي أو خطر على الأمن القومي، فسيبحر ترامب بأمان نحو نهاية ولايته. وخصومه سيعتادون عليه وعلى حماقاته.
مؤخراً أطلق مقربون من ترامب أصوات عن اهتمامه بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، استناداً إلى "رغبته الشديدة" المزعومة لترامب للتوجه نحو تسوية بين الطرفين.
هذا تضليل مقصود الهدف منه إظهار ترامب كسياسي له تطلعات عالمية.
خسارة على الوقت والجهد، ليس لترامب نوايا حقيقية للقفز في الدوامة اليهودية – العربية، وليس له أي حلم لأن يكون عرّاب مصالحة. بين الحين والآخر سيطلق قولاً كهذا أو ذاك، ليجعل رام الله أو القدس تقفز، وبعده تأتي إيضاحات مهدئة. نزاعنا لا يهم ترامب، فهو لن يجعل يديه تتسخان بحلنا. هذه مهمتنا – ومهمتنا وحدنا، ولاسيما في عصر ترامب.
المصدر:
صحيفة يديعوت أحرونوت
المقال من