البوابة, 03/ نيسان / 2017 ـ منذ عامين وأكثر، ارتفعت الأصوات في الغرب احتجاجاً على السياسات المتّبعة في سوريا. الأمر لا يقتصر على ما يجري في أوروبا. وبخلاف الانطباع السائد أن الغالبية الأميركية غير مهتمة لما يدور في بلاد الشام، وأن الإدارات السياسية والعسكرية والأمنية مانعة لأي نقاش، تظهر معطيات ومداولات أن النقاش صار يحتدم يوماً بعد يوم، لكن هناك من يغلق الأبواب والأعين. وما كشفته الانتخابات الرئاسية عن الأزمة المهنية التي يعانيها الإعلام الأميركي بكل تنوّعاته، عكس أيضاً الأزمة الأخلاقية العميقة التي تصيب هذا الإعلام الممسوك من قوى نافذة في الإدارة والاقتصاد. حتى النخب الثقافية فيه، تُظهر فوقية أكبر من تلك الموجودة عند أهل القرار. وهي فوقية صارت معمّمة في كثير من دول العالم. وأظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية عجز الميديا عن الإمساك كل الوقت باتجاهات الجمهور
تولسي غابارد، عضو في الكونغرس عن ولاية هاواي، ومن فريق الحزب الديمقراطي. سبق لها أن أدلت بآراء بدت سجالية حول ما يجري في بلادنا. والمرأة التي يبرز صوتها في المؤسسات وفي الإعلام، مثّلت أحد الأصوات غير المرغوبة من قوى النفوذ في الإدارة. قررت التعرّف عن قرب على حقيقة ما يجري عندنا، وتحديداً في سوريا.
منتصف الصيف الماضي، نضجت عند غابارد فكرة زيارة سوريا في رحلة تقصّي حقائق. الترتيبات كان تشير إلى إمكانية حصول الزيارة في تشرين الأول الماضي. احتاج الأمر إلى بعض الإجراءات، من توفير تمويل الرحلة، إلى ترتيب جدول الأعمال، إلى الحصول على موافقة لجنة الأخلاقيات في الكونغرس على الزيارة.
الأمور أنجزت أواخر الصيف. لكن الذي حصل أن غابارد التي يعرفها فريق المرشح القوي دونالد ترامب، كانت منخرطة في الانتخابات. لم تكن معجبة أبداً بهيلاري كلينتون، وأيّدت صراحة المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، وهو أمر لفت انتباه فريق ترامب الانتخابي. وبعد فوز الأخير في الانتخابات، بحث مع فريقه إمكانية إقناع غابارد بتولي منصب حكومي بارز في إدارته الجديدة. وأثناء التواصل والبحث، علم ترامب بنيتها زيارة سوريا، فطلب إليها تأخير الزيارة ريثما يتسلم مهماته، لأن لديه ما يقوله لها.
قالت غابارد للأسد: رئيسنا يسأل عمّا إذا كنت ستجيب على هاتفك إذا كان هو المتصل. ابتسم الرئيس السوري وأجاب: نعم، وهذا رقم هاتفي
وافقت غابارد على التأجيل. وفي 21 تشرين الثاني عام 2016، استقبلها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لأكثر من ساعتين ونصف ساعة. أبلغته أنها لا تقدر على تأجيل الزيارة أكثر، وأن برنامجها محدد منتصف كانون الثاني بين سوريا ولبنان، وأنها ستكون هناك يوم تولّيه الحكم رسمياً. فقدمت له التهاني مسبقاً، واعتذرت عن عدم قدرتها على حضور حفل التنصيب.
خلال اللقاء سألها أن تشرح له وجهة نظرها حول الوضع في سوريا والعراق. وبعد سماعها، أبلغها أنه موافق على تحليلها. وقالت له إنها تعمل على إعداد معطيات لأجل سنّ قانون يمنع الأميركيين من أي تعاون مع أي شخص يكون له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمجموعات الإرهابية في العالم، وخصوصاً تنظيم داعش.
سألها ترامب: هل ستلتقين الأسد في دمشق؟
قالت له: على الأرجح!
قال لها: حسناً، اسأليه إن كان مستعداً للتواصل معنا، وأنا مستعد للاتصال به هاتفياً. ولكن، ليكن معلوماً منذ الآن أن التعاون سيكون عنوانه قتال «داعش». سيجد أن مطلب إطاحته من منصبه ليس في دائرة اهتماماتي. وهو عنوان سيختفي من التداول تدريجياً. أما التواصل المباشر وإلغاء العقوبات، فهما أمران يحتاجان الى وقت، والمهم أن نعرف كيفية تصرفه، ومدى استعداده للتعاون معنا بمعزل عن الروس والإيرانيين. نحن يجب أن نغيّر سياستنا تجاه الأسد. الاحتواء المباشر قد يكون مفيداً. الرجل صمد في موقعه. الواقع يقول لنا إنه يجب أن نتعامل معه إذا كنا نريد مواجهة داعش فعلياً.
ترامب، البراغماتي والعملاني، يرى أن سياسة أوباما خرّبت النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، ويحمّل سلفَه مسؤولية ترك المنطقة مفتوحة أمام النفوذ الروسي، معتبراً أن على إدارته العودة والمشاركة في إدارة المنطقة، ولاسيما ملفي سوريا والعراق. وفي هذا السياق، يريد ترامب تغيير كل سياسات الإدارة، خارجياً كما داخلياً. وهو يتعهد بعدم المواجهة مع روسيا، ويريد محاصرة إيران وإنهاء مفاعيل الاتفاق النووي، ولو من دون التخلي عنه. ويعتقد أن سوريا هي ساحة التفاهمات مع الروس والآخرين.
يرى ترامب أن داعش هو الخطر الأساس على الجميع. هو متأكد من دور السعودية وقطر وتركيا في دعم داعش وكل فروع القاعدة. ورغم كرهه لإيران، يعتقد أنها الأكثر جدية في قتال داعش. وهو لا يريد إجراء تغيير سياسي جوهري وحسب، بل يريد تغيير الإستراتيجية، ولذلك يعتقد أن المهم الآن التركيز على داعش وتجاهل كل الأهداف الأخرى، بما في ذلك هدف إطاحة الأسد.نقلت غابارد عن ترامب:
روسيا أكثر ذكاءً منّا في
سوريا، وإيران الأكثر جدية
في محاربة داعش
يعرف أن لديه خصوماً كثراً في أميركا، من الاحزاب الى الاعلام والمخابرات، وصولاً حتى قسم من الجيش. لكنه لا يريد التراجع.
بعد انتهاء اجتماعها مع ترامب، طلبت غابارد تكثيف الاستعدادت للسفر. لكن الذي حصل هو انطلاقة حملة لتعطيلها، داخل الولايات المتحدة، من خلال رجال الاستخبارات «سي. آي. إيه.» و«أف. بي. آي.». وحصلت اتصالات مع كل المعنيين بالزيارة لأجل إقناعهم بالعدول عنها. ومن ثم بوشرت المساعي من وزارة الخارجية أيضاً لمواجهة رحلة غابارد.
السفيرة الأميركية في بيروت، اليزابيث ريتشارد، تلقّت ما يشبه «التعليمة» بأن عليها عرقلة الزيارة. سبق لها أن أعلنت أمام الكونغرس، ثم لدى وصولها إلى لبنان، أن مهمتها محصورة في مواجهة حزب الله والحكومة السورية. وهي لم تكن مرحّبة أصلاً بزيارة عضو الكونغرس، لكنها لا تعرف ــ رسمياً ــ هدف الزيارة. وافترضت أنها ستكون حكماً المرجع الذي يضبط الزيارة، ويحدد المواعيد، ويضع المحظورات.
لم يتأخر الوقت حتى فوجئت السفيرة برسالة معاكسة لرغباتها. هي تعيش أصلاً حالة من التوتر الكبير جرّاء قرار إدارتها تجميد أعمالها مع دبلوماسيين آخرين في العالم. هي لم تكن في وارد وضع برنامج جدّي. لكن غابارد نفسها طلبت من مساعديها إبلاغ السفارة الأميركية في بيروت أنها لا تريد منهم المشاركة في التحضيرات ولا حتى في الترتيبات. وقالت لفريقها: لا أريد من السفارة هناك أي شيء. لا حماية أمنية، ولا إجراءات لوجستية، ولا استضافة، ولا ترتيب مواعيد، ولا مشاركتي في الزيارات. وتم إبلاغ السفيرة الأميركية بالأمر.
فكرت السفيرة في أن عليها التحرك سريعاً. ومع وصول مساعدي عضو الكونغرس إلى بيروت، قبلها بأيام، سارعت السفيرة ريتشارد إلى طلب الاجتماع بهم، في مقر السفارة، وأحضرت المسؤول الأمني لكي يشرح تفاصيل عن الوضع الخطير في لبنان، مع توصيات معينة. وعرض المسؤول الأمني أن تبيت غابارد في بيت الضيافة في مقر السفارة. ومرة جديدة، صدمت السفيرة المحرومة من نِعَم لبنان. فقد أبلغها مساعدو غابارد أنها غير معنية، ولا أحد يريد شيئاً منها، وأن غابارد تفضّل أن تكون زيارتها بعيدة عن كل أشكال البروتوكول، وهي تريد أن تختار من تقابل وأين وكيف.
الأمنيون في السفارة ضغطوا لأجل وضع شروط، من اسم الجهة الأمنية الرسمية اللبنانية التي ستواكب النائبة الأميركية أثناء وجودها في لبنان، مع شرح توضيحي للمناطق التي لا يمكنها زيارتها أبداً (المنطقة الحمراء) أو تلك المفضّل زيارتها نهاراً فقط (المنطقة الصفراء) وتلك المفتوحة ليلاً ونهاراً (المنطقة الخضراء). ثم أودَع المسؤول الأمني في السفارة مساعدي غابارد أرقام هواتف للاتصال عند الضرورة، قائلاً بلغة الواثق: لدينا وحدات منتشرة في كل لبنان جاهزة للتدخل متى تطلب الأمر.
في الرابع عشر من كانون الثاني غادرت غابارد العاصمة الأميركية متوجهة إلى مطار بيروت. وصلت غابارد برفقة زوجها المخرج السينمائي، الرجل الثري من أصول هندية ابراهام وليامز، والوفد المرافق، يوم الأحد. كان مساعدون لها في انتظارها، برفقة قوة من جهاز أمن السفارات في قوى الأمن الداخلي، كانت قد توافرت بعد اتصال مع وزير الداخلية نهاد المشنوق. ومن المطار توجه الموكب مباشرة صوب منطقة اليرزة، للحصول على تأشيرة دخول إلى سوريا من السفارة السورية هناك. وكان السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم الذي استضافهم ريثما تنجز أوراق التأشيرات.
ما حصل هو أن موكب الضيفة الأميركية اختار طريقاً قصيرة للوصول إلى منطقة اليرزة. وهذا يعني أنها عبرت منطقة الضاحية الجنوبية، المصنّفة ضمن المنطقة الحمراء. وأثناء مرورها هناك، سألت: أين نحن؟
الجواب: نحن في منطقة حزب الله.
سألت: لكن أين هي القواعد العسكرية والمسلحون؟
الجواب: لا وجود لهذه الأشياء أصلاً.
سألت: هل أنتم متأكدون من أننا نمرّ في منطقة يسيطر عليها حزب الله بصورة كاملة؟
الجواب: نعم! وخلال دقائق نكون في منطقة تخضع تماماً لسيطرة الجيش اللبناني، وهناك يقع مكتب السفير السوري ومنزله.
هناك، كانت قوة من فرقة «الفهود» التابعة لقوى الأمن الداخلي قد وصلت. تبيّن أن المسئولين الأمنيين في السفارة الأميركية غير راضين عن الاستعانة بجهاز أمن السفارات. فمعلوماتهم تفيد بأنه يقع تحت تأثير حزب الله، وأنهم يفضّلون «الفهود». قَبِل مساعدو غابارد بالأمر، لكن عند وصولها إلى غرفتها في أحد فنادق العاصمة، اتصلت السفيرة الأميركية طالبة مقابلتها، لكن غاربارد اعتذرت، مكررة القول: لا أريد أي شيء من السفارة.
الثامنة من صباح الاثنين ينطلق الموكب من الفندق مباشرة باتجاه الحدود السورية. وعند نقطة المصنع، يتوجه الموكب صوب نقطة يوجد فيها فريق أمني يسهّل الوصول إلى صالة كبار الزوار، حيث كان أفراد من تشريفات القصر الجمهوري، برئاسة موفد رئاسي سوري، في الانتظار مع سيارات الموكب. وبينما بقي الأمن اللبناني عند الحدود، توجهت غابارد والوفد مباشرة إلى لقاء الرئيس بشار الأسد.
"السفيرة الأميركية في بيروت نشطت لمنع لقاءات مع كبار المسؤولين وغابارد منعت السفارة من التدخّل في برنامجها".
استقبلها الأسد بابتسامته المعهودة. صافح أعضاء الوفد، وسألها عن الرحلة، ثم دخلت هي مباشرة في الحديث:
«أنا هنا في زيارة تقصّي حقائق. أريد أن أزور أكثر من منطقة في سوريا إن استطعت، وأن أجتمع بأشخاص على الأرض. وأريد مساعدتي في تقديم معطيات موثقة ومؤكدة حول من يدعم المنظمات الإرهابية، وخصوصاً داعش والقاعدة. أنا هنا بموافقة من الكونغرس، وكنت أنوي الحضور قبل أشهر، لكن التأجيل حصل بطلب من الرئيس ترامب نفسه».
ثم عرضت غابارد للأسد تصوّرها للموقف في سوريا والمنطقة. وقالت له: «أنا التقيت الرئيس ترامب قبل مجيئي إلى هنا. وأنا أحمل لك رسالة منه. لقد طلب مني أن أنقل لك تصوّره وأفكاره بشأن المنطقة، وطلب أمراً آخر بصورة مباشرة».
واصل الأسد الاستماع، وأفاضت غابارد في عرض وجهة نظرها وما سمعته من الرئيس الأميركي المنتخب. وكررت أمامه ملاحظات الإدارة الأميركية على سياسات حلفائها في سوريا، من السعودية إلى تركيا إلى بقية دول الخليج. وقالت له إن الأولوية المطلقة عند ترامب هي محاربة داعش. وهو سيأخذ بعين الاعتبار في مقاربته ملف إيران. إنها دولة جدية جداً في محاربة داعش. الرئيس ترامب يريد تغييراً جذرياً في سياسة أميركا حيال سوريا والمنطقة.
سألها الأسد: هل هذا هو انطباعك بعد الاجتماع مع ترامب؟
ردّت غابارد: لا، هذه هي أفكاره، وهو طلب مني أن أنقلها إليك. نحن باختصار، نريد التعاون معك في محاربة داعش. ترامب معجب بذكاء روسيا في إدارة الملف السوري، وهو يريد بناء تفاهم مع الروس في سوريا.
ثم فجأة سألت غابارد الأسد: إذا اتصل بك الرئيس ترامب، هل تردّ على المكالمة؟
ابتسم الأسد وسألها: هذا سؤال افتراضي، أم هو اقتراح؟
قالت له: ليس افتراضياً.
الأسد: هذا اقتراح منك؟
ردّت: لا، هذا سؤال لك من الرئيس ترامب، وهو طلب مني أن أنقله إليك، وسأعيد طرح السؤال: إذا اتصل بك هل ستردّ على المكالمة؟
فوجئت غابارد بردّ سريع من الأسد: بالطبع، وسوف أعطيك رقم هاتف يمكن الوصول إليّ عبره سريعاً.
في هذه النقطة، بدت غابارد متفاجئة بعض الشيء، وكأنها كانت تحت تأثير تشويش، بأن الأسد لن يجيب مباشرة، وأنه سيطلب وقتاً للتفكير. لاحقاً، تبيّن أن إدارة ترامب كانت تعتقد أن الأسد سيطلب الوقت قبل الإجابة، لأجل التشاور مع حلفائه الروس والإيرانيين. الأميركيون فكّروا بصراحة أن الأسد «لن يجرؤ على التواصل معهم من دون إذن موسكو».
قبل نهاية الاجتماع، عادت غابارد وشرحت للأسد حاجتها إلى جولة في سوريا من أجل إعداد تقريرها حول ما يجري. وسألت إن كان بمقدورها زيارة حلب، بعدما كان الجيش السوري قد استعاد مع حلفائه السيطرة عليها كاملة.
في غضون نحو ساعتين، سمع الأسد عرض غابارد، ثم قدم وجهة نظره ومعطيات حول ما يجري ودور الولايات المتحدة الأميركية المباشر أو غير المباشر في دعم المجموعات الإرهابية. بعد ذلك، انتقلت غابارد إلى مكتب آخر، حيث اجتمعت لساعتين أيضاً مع زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، ودار الحديث حول الجوانب الاجتماعية والآثار السلبية للحرب القائمة على الناس في سوريا. بعدها انتقلت للقاء مفتي سوريا بدر الدين حسون، وزيارة الجامع الكبير في دمشق، ثم التقت البطريرك أغناطيوس افرام، وبعده حصل اجتماع مع رجال أعمال وأكاديميين عرضوا لآثار الحرب على سوريا.
بات الوفد ليلته في مقر رسمي للضيافة، وفي ذلك المساء، لبّت غابارد دعوة مستشارة الأسد الدكتورة بثينة شعبان إلى العشاء، بحضور مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري، ثم جرت ترتيبات لاجتماع مع وزير الخارجية وليد المعلم.
صباح اليوم التالي، واكب فريق رسمي سياسي وأمني من القصر الجمهوري الضيفة الأميركية، وغادر الجميع على متن طائرة رئاسية إلى حلب. وهناك، كان فريق آخر في الانتظار، وقامت بجولة استمرت لساعات طويلة، التقت خلالها المحافظ وأعضاءً في البرلمان ورجال دين وناشطين ومواطنين، وتفقدت مخيّماً للنازحين.عَبَرت الموفدة الأميركية الضاحية الجنوبية وسألت:
أين القواعد العسكرية
التابعة لحزب الله؟
قبل مغادرتها حلب، تلقّى مساعدوها اتصالاً يفيد بأن الرئيس الأسد قرر استضافتها الأربعاء، طوال اليوم، وأنه أجرى الترتيبات لعقد لقاءات مفصّلة، يتخللها غداء عمل وأنه سيزوّدها بوثائق دامغة تؤكد التورط المباشر لأمنيين أميركيين، بطلب من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في دعم الإرهابيين في سوريا. وهذا ما حصل، فكان قرار تأجيل مغادرتها دمشق من الأربعاء إلى الخميس. وخلال نهار الأربعاء، التقت غابارد الأسد مرتين بحضور مسؤولين في الدولة السورية من الذين أحضروا معهم الوثائق والملفات. وعرض عليها ما مثّل بالنسبة إليها الصدمة وليس المفاجأة فقط. وأعطيت من الأدلة ما يتيح لها التثبّت من صحتها عند عودتها إلى الولايات المتحدة الأميركية.
عادت غابارد الخميس إلى بيروت، حيث كان من المفترض أن يكون جدول أعمالها مليئاً بمواعيد مقررة مسبقاً، وفق لائحة لم تشمل لأول مرة الشخصيات التي تلزم السفارة الأميركية كل زائر أميركي بمقابلتهم. وجاءت المقترحات تلبية لرغبة غابارد. وضمّ الجدول لقاء الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش والمدير العام للأمن العام والرئيس السابق إميل لحود والبطريرك الماروني بشارة الراعي، مع التشديد على أن لا يحضر اللقاءات أيّ موظف من السفارة الأميركية في بيروت. وهي كانت قد حددت موعداً لمقابلة السفيرة ريشارد في لقاء عاجل وعابر.
الذي حصل، والذي شكل مفاجأة، كان رفض مكتب رئيس المجلس النيابي ترتيب لقاء مع الرئيس نبيه بري، ليتبيّن لفريق غابارد سريعاً أن السفارة الأميركية تدخلت، وهي أبلغت مكتب رئيس المجلس، وأيضاً المعنيين في القصرين الجمهوري والحكومي، وحتى القيادات الأمنية، أن الزيارة غير منسّقة مع وزارة الخارجية.
علمت غابارد بالأمر، وطلبت من مساعديها إبلاغ السفيرة أن ما تقوم به هو عمل غير قانوني، وسوف يتم إبلاغ البيت الأبيض به، وسوف تتم محاسبة السفيرة على عمل يناقض مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.
قبل مغادرتها بيروت، عقدت غابارد اجتماعاً لم يكن مقرراً مع وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري الذي صادف وجوده في بيروت، ثم سافرت في وقت لاحق عائدة إلى الولايات المتحدة، ليكون في انتظارها حشد من خصومها الذين شنّوا عليها حملة إعلامية استمرت لعدة أسابيع. كانت هي تنتظر موعداً للاجتماع بالرئيس ترامب لإطلاعه على نتائج الزيارة، بينما باشرت العمل على إعداد تقريرها الخاص عن سوريا... ولهذه المرحلة حكايتها الطويلة أيضاً!
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية