شكلت نتائج انتخابات فاتح سبتمبر 2018 البلدية والجهوية والتشريعية بعاصمة الاقتصاد حدثا استثنائيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى كما رسمت معالم خارطة سياسية لخمس سنوات قادمة على الأقل .
اتسمت مجريات أحداث استحقاقات فاتح سبتمبر بحدثين يمكن القول إنهما مهدا لما حدث في الساعات الأولى من مساء الـ15 من سبتمبر .
الحدث الأول تمثل فيما أسماه الحزب الحاكم ببعثات الاشراف على الانتساب في أكبر عملية اصلاح للحزب جُند لها عشرات الوزراء ورجال النظام غير أن هذه البعثات خلقت من الاشكالات أكثر مما حلت
تجلى ذلك في القواعد الصارمة التي انتهجتها لجان التنصيب حيث لم تقبل تنصيب سوى الوحدات المكتملة وهو ما أحدث بلبلة في صفوف القواعد الحزبية مما أحدث أزمة ثقة بينها وبعثة التنصيب وانتهت أخيرا هذه المهمة بتوليد مغاضبين من داخل الحزب وفي كل الجهات .
أما الحدث الثاني فقد تمثل في اعلان ترشيحات الحزب الحاكم على مستوى ولاية دخلة نواذيبو حيث لم تكن أقل وقعا على الحزب من أزمة التنصيب فقد بدا واضحا أن الترشيحات لم تكن قوية ومعبرة وهو ما ولد امتعاضا داخل قواعد الحزب الحاكم منهم من كتمه ومنهم من أعلنه ومنهم من عبر عنه على طريقته الخاصة ولعل العينة الأخيرة هي التي شكلت ملامح ما أسماه البعض بهزيمة الحزب الحاكم في عاصمة الاقتصاد بموريتانيا في منصف 15/9/2018
حدث كل هذا والقوى المناوئة للحزب تترصد وتأمل استغلال الفرصة الى أبعد مدى ونعني هنا بالقوى الخصم التقليدي لمؤسسة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية على رأسها النائب القاسم ولد بلالي وقوى المعارضة للنظام ممثلة في حزب التكتل وائتلاف قوى المعارضة بما فيها حزب تواصل ذي المرجعية الاسلامية
حاولت الجبهة المناوئة الاستفادة من الهِزتين لكن جهتين فقط بدتا أكثر حظا في اقتناص اللحظة وتوجيهها لصالحهما وهاتان الجهتان هما النائب القاسم ولد بلالي وحزب التجمع الوطني للاصلاح والتنمية (تواصل)
كيف ذلك؟
بعد الظهور المبكر لترشيحات حزب الاتحاد الحاكم بدا جليا أنها لم تكن في صالح المكون التقليدي للساكنة المحلية انكس ذلك في بيانات وتصريحات منددة بما جرى وان حاولت الابقاء على شعرة معاوية بينها والنظام بقيادة الرئيس محمد عبد العزيز
كما شكل ظهور القيادي المخضرم للمكون الاجتماعي التقليدي للساكنة وأول نائب للمدينة محمد ولد اسويلم لمهرجان نظمه النائب القاسم ولد بلالي أقوى دليل أن الساكنة المحلية قد وصلت إلى نقطة اللاعودة في ردة فعلها على أخطاء الترشيحات رغم انطباع الخرجات والبيانات بالتفريق بين لجنة التعيينات وقيادات الحزب الحاكم والنظام بقيادة محمد ولد عبد العزيز .
لم يُولِ النظام لمغاضبي الساكنة المحلية أي اهتمام بل اكتفى بترشيح البرفسور محمد عيه ظنا منه أنه الحصان الأسود في المرحلة
وبالعودة إلى ظهور النائب المخضرم محمد ولد اسويلم في نشاط النائب القاسم ولد بلالي فإنه فيما يبدو كان "الشيفرة" التي تلقتها الساكنة المحليون وترجموها إلى دعم خيالي لولد بلالي .
وغير بعيد ،فإن حزب التجمع الوطني للاصلاح والتنمية (تواصل) المتعطش إلى الظفر بنائب لأول مرة في التاريخ منذ أكثر عقد من الزمن لم تشغله رحلة البحث عن التحالفات عن الاستفادة من أخطاء خصومه في الحزب الحاكم وظهر ذلك جليا في الدفع بأحد أبناء الساكنة المحلية لرئاسة انتخابات الجهة بولاية نواذيبو وهو الشاب الشيخ الكبير ولد بوسيف ذو الأصول المحلية .
كانت مناورة الحزب الاسلامي المعرض في غاية الذكاء فيبدو أنهم قرؤوا المشهد جيدا حيث نجح ترشيح ولد بوسيف في اعادة التوازن للساكنة المحلية أو هكذا عكست نتائج الشوط الأول من استحقاقات فاتح سبتمبر
كما يمكن القول إن ولد بوسيف لعب بشكل ذاتي وبعيدا عن التوجيه الحزبي لاستغلال الفرصة والاستفادة من تركة حزب بدا مهلهلا وآيل إلى التأزم .
هذان الحدثان كانا بمثابة الشرارة التي ولدت انفجار صناديق الاقتراع في الساعات الأولى من مساء ال15 من سبتمبر حيث انتهت بهزيمة تاريخية للحزب الحاكم في عاصمة الاستثمار وعلى يد خصمه اللدود النائب القاسم ولد بلالي كما حقق الاسلاميون أكبر مكسب لهم منذ ميلادهم السياسي حيث حصدوا نائبا و10 مستشارين في جهوية نواذيبو .
كُ