البوابة /22/02/2017 يتقدم المرشد الإيراني السيد علي خامنئي خطوة خطوة وإلى يمينه ويساره أركان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الشورى، ورئيس السلطة القضائية. يقف النظام بأكلمه على منبر مؤتمرٍ لدعم الانتفاضة الفلسطينية والقدس في العاصمة طهران، وفي مقابلهم يجلس قادة الفصائل الفلسطينية على إختلافها إلى جانب أركان المؤسستين العسكرية والدينية الإيرانية وخلفهم وفود من أكثر من 40 دولة عربية وأفريقية وآسيوية وأميركية جنوبية. وقف قائد إيران متخففا من كل اشتباكات بلاده في المنطقة، خط خطابا يصح فيه القول إنه مصمم على قياس قضية لم تعد تحتمل تحدياتها ربطها بأثقال أزمات أخرى في المنطقة وخارجها من غير المعلوم ما إذا كانت ستضيف إلى وهن فلسطين وهناً جديداً يجعلها مع الوقت نسيا منسيا.
كانت خطوة خامنئي صرخة قرأها الحاضرون أنها فرصة. هو يضع معيارا واحدا للعلاقة مع أطراف المقاومة، ليس هو دينياً ولا عقائدياً ولا مرتبطاً بأي عوامل خارج إطار المقاومة، إن عمق العلاقة بحسب المرشد الإيراني يرتبط بمدى التزام الأطراف المعنية بمبدأ المقاومة، ولعل إصراره على ذكر فصائل أربع رئيسية، إثنتان منهما إسلامية وأخريان علمانية جهد إضافي للتأكيد على الاتجاه. يقول الإيرانيون إنهم يمدون اليد منذ زمن ولم يتوقفوا عن ذلك، لكنهم اليوم يعيدون رسم المشهد بما يناسب أولوية التصدي لمحاولات تهميش القضية الفلسطينية. هي في الواقع معركة بين خيارين، خيار يضع المقاومة على رأس خياراته وخيار آخر يرى في التسوية أفضل السبل لتحقيق الحد الأدنى غير المدرك. يقدم أصحاب خيار المواجهة دلائل على صوابية منهجهم بالاستدلال بنتائج عمليات السلام والتطبيع على مدى ما يقارب أربعة عقود، أما خيار المواجهة فهو وإن كان لم ينه المعركة فعلى الأقل هو ساهم بتحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وغزة عام 2005.
وضع المرشد نقطة على آخر السطر في مسألة دعم الفلسطينيين، هو لم يثر أمرا جديدا يثار للمرة الأولى. هو أكد على سياق إيراني مستمر، ربما أحيانا يتعرض لكبوات مرتبة بظروف لوجستية، لكنه ضمن الأولويات الإيرانية. هنا اختلف الأمر بأن أعاد خامنئي تصويب بوصلة المحور الذي يقوده، فلسطين ليست فقط من الأولويات، فلسطين هي الأولوية. ولأن الكلام انتهى هنا كان لا بد من تأكيد الاتجاه. بعد ثلاث ساعات تقريبا على انتهاء كلمة المرشد كان وفد الفصائل في ضيافة اللواء قاسم سليماني في مكان ما في طهران على غداء عمل. ربما يستحق الأمر تذكيرا بجلسة العام الماضي التي تحدثت عنها الميادين والتي كانت نقطة تحول في العلاقة الإيرانية مع المقاومة الفلسطينية وأجنحتها المختلفة بعد سنوات البرود.
من خارج إيران، تحديداً من ضفة الخليج الأخرى، ترتفع اتهامات لطهران باستغلال القضية الفلسطينية لتحقيق مآربها. يقول مصدر خليجي للميادين نت إن الإيرانيين يريدون بخطوتهم هذه استغلال الفلسطينيين من أجل توظيفهم في معاركهم وأخذ المشروعية لسياقهم الطائفي. يضيف المصدر الخليجي الذي رفض الكشف عن اسمه، إن الفلسطينيين هنا ليسوا سوى حصان طروادة الذي تستغله إيران لتحقيق مآربها في تبرير دعمها لما وصفه بالإرهاب. قد يكون لإيران ردها و رسالتها من المؤتمر في حضور وفود دول تتفق معها وتختلف حول الكثير من القضايا لكنها لا تتباين معها حول فلسطين. رسالة إيران غير المعلنة من وجهة نظر بعض العارفين بإيران هي باختصار، إن كانت طهران متهمة بدعم الإرهاب فإن هذه الفصائل التي تقاتل إسرائيل هي من تدعمها إيران وأنها في دعمها إياها لا تبتغي سوى قضية فلسطين التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى ذكرى لا يريد ذات الذين يتهمون إيران بالإرهاب إحياءها.
ليست فلسطين في أفضل أيامها قطعا، لكنها لم تكن أفضل منذ منتصف القرن الماضي، مذ بدأت الزوبعة بالالتفاف على جغرافيا الأمر الواقع التي فٌرضها من فرض إسرائيل لاحقاً على المنطقة. هكذا بإحساس ومن دونه كانت الرقع تذوب ومعها يذوي ما بين أهل القضية أو المؤمنين بها، أو حتى أولئك الذين اختاروا التل محطا لاتجاههم عل الغبرة تنجلي ويظهر ما تحت الثلج على بقايا المرج. حتى فلسطين تعبت، وأهلها المتعبون باتوا وهم يتجرعون المفاجأة تلو الأخرى من الاحتلال ومن أصدقائه ومن أبناء العمومة ممن ابتلوا بهذه الصداقة القاتلة. لكن بقدر ما سلف من ألم وتعب كان لحجر واحد تأثير نيزك يسقط في بحيرة راكدة، بدا الأمل مقاوماً لكل عوامل اليأس، منتظراً لفرصة، متأهّباً لصرخة، متوثّبا لخطوة.
المصدر
البوابة + وكالات